أهم ثلاث نصائح من خبراء العطور
العطور ليست مجرد رائحة جميلة تعبّر عن الذوق الشخصي، بل هي بصمة فريدة تترك انطباعًا لا يُنسى، وجزء من الهوية التي تميز الإنسان. رشة العطر يمكن أن تحكي قصة، وتستحضر الذكريات، وتؤثر في الحالة المزاجية بطريقة لا يمكن إنكارها. لكن اختيار العطر المناسب، وتطبيقه بالطريقة الصحيحة، وحفظه للحفاظ على ثباته، كلها أمور تحتاج إلى معرفة دقيقة وخبرة عميقة.
لهذا السبب يقدم خبراء العطور حول العالم مجموعة من النصائح الأساسية التي تساعد في فهم العطور بشكل أفضل، واستعمالها بطريقة احترافية تضمن دوامها وجمالها. في هذا المقال سنتعرف على أهم ثلاث نصائح من خبراء العطور يمكن أن تغيّر تمامًا الطريقة التي تتعامل بها مع عطرك، إلى جانب تفاصيل علمية وأسرار مهنية تجعلك أكثر وعيًا بهذا العالم الساحر.

أولًا: افهم شخصيتك قبل اختيار العطر
الخطوة الأولى نحو اختيار العطر المثالي ليست في زيارة المتجر، بل في فهم الذات. فالعطر هو انعكاس مباشر للشخصية، تمامًا مثل أسلوب اللبس أو طريقة التحدث. يقول خبراء العطور إن كل شخص يملك ما يُعرف بـ “البصمة العطرية”، وهي تركيبة من التفضيلات والروائح التي تتفاعل بشكل مختلف مع كيمياء الجسم.
اختيار العطر بناءً على الشخصية
إذا كنت شخصًا هادئًا وتحب الأجواء الطبيعية، فالعطور الزهرية والخشبية مثل الياسمين، والمسك الأبيض، وخشب الصندل ستكون مناسبة لك.
أما إذا كنت جريئًا وتحب لفت الأنظار، فالعطور الشرقية الدافئة الغنية بالتوابل والعنبر والباتشولي هي خيارك الأمثل.
للعاشقين للبساطة والنظافة، فإن الروائح الحمضية مثل الليمون والبرغموت والجريب فروت تعبّر عن الانتعاش والنشاط.
موسم العطر
يوضح الخبراء أن اختيار العطر يجب أن يتغير بحسب الفصول. فالعطور الثقيلة الغنية بالفانيليا أو العود مثالية لفصل الشتاء، بينما العطور المنعشة الخفيفة تناسب الصيف والربيع.
هذا التوازن لا يجعل العطر أكثر انسجامًا مع الطقس فقط، بل يمنح شعورًا بالراحة النفسية لمن يضعه.
وقت العطر
بعض العطور تُفضل للاستخدام النهاري، مثل العطور الزهرية أو الحمضية، لأنها خفيفة ومبهجة. أما العطور الليلية فهي أكثر تركيزًا ودفئًا، مثل عطور العنبر والعود والمسك، حيث تضيف لمسة من الغموض والرقي في المناسبات والسهرات.
التفاعل مع كيمياء الجسم
من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون هو شراء العطر بناءً على رائحته على الآخرين. فكل جسم يملك كيمياء مختلفة تؤثر على تطور الرائحة. لذلك ينصح الخبراء دائمًا بتجربة العطر على البشرة لمدة لا تقل عن 20 دقيقة قبل الشراء، لتلاحظ كيف تتغير طبقاته الثلاث (العلوية، الوسطى، الأساسية) على جلدك.
طبقاته الثلاث
العطر يتكوّن من ثلاث مراحل أو ما يُعرف بالنوتات:
النوتة العليا: ما تشمه فورًا بعد الرش، وغالبًا تكون روائح حمضية أو خفيفة.
النوتة الوسطى: تظهر بعد بضع دقائق وتشكل “قلب العطر” وغالبًا تتضمن الزهور أو التوابل.
النوتة الأساسية: هي التي تبقى أطول على الجلد، وتشمل الروائح الثقيلة مثل العنبر والمسك والعود.
فهم هذه المراحل يساعدك على تقييم العطر بدقة قبل الحكم عليه من الرائحة الأولى فقط، لأن الانطباع الأولي قد يكون مضللًا.
ثانيًا: الطريقة الصحيحة لاستخدام العطر
حتى أجمل العطور وأفخمها يمكن أن تفقد سحرها إذا تم استخدامها بطريقة خاطئة. فطريقة وضع العطر هي السر في ثباته وقوته. وهنا مجموعة من القواعد الذهبية التي يقدمها الخبراء لضمان أفضل نتيجة:
رشي العطر على نقاط النبض
نقاط النبض هي الأماكن التي ينبض فيها الدم بالقرب من الجلد، مما يساعد على نشر الرائحة بشكل مستمر مع الحرارة. تشمل هذه النقاط:
خلف الأذنين
على المعصمين
خلف الرقبة
على الجزء الداخلي من المرفقين
خلف الركبتين (للعطور الثقيلة)
هذه المناطق تعمل كناقل حراري يساعد على تبخر العطر ببطء، مما يمنحه ثباتًا أطول.
تجنبي فرك المعصمين بعد رش العطر
من أكثر العادات الخاطئة شيوعًا فرك المعصمين بعد وضع العطر، إذ يؤدي ذلك إلى تكسير الجزيئات العطرية الدقيقة وتغيير توازن الطبقات الثلاث، مما يجعل الرائحة تختفي بسرعة أو تتحول إلى نغمة حادة غير متجانسة.
استخدمي العطر على البشرة النظيفة
يوصي الخبراء برش العطر بعد الاستحمام مباشرة، لأن المسام تكون مفتوحة وتساعد على امتصاص الرائحة بشكل أفضل. كما أن البشرة الرطبة تحتفظ بالعطر لفترة أطول من البشرة الجافة.
الترطيب قبل العطر
استخدمي مرطبًا عديم الرائحة قبل وضع العطر، فالرطوبة تُثبّت الجزيئات العطرية وتمنع تبخرها السريع. يمكنك أيضًا استخدام لوشن من نفس مجموعة العطر لتعزيز الرائحة.
العطر والملابس
لا بأس من رش القليل على الملابس أو الشعر، ولكن بحذر. يُفضل تجنب الأقمشة الحساسة مثل الحرير أو الصوف لأنها قد تتأثر بالزيوت الموجودة في العطر. كما أن بعض أنواع العطور قد تسبب بقعًا إذا رُشت مباشرة على الملابس.
العطر والشعر
الشعر يحمل الرائحة بطريقة جميلة، لكن الكحول الموجود في العطور قد يجففه. استخدمي “عطر الشعر” المخصص أو رشي القليل من العطر في الهواء واسمحي للشعر بامتصاص الرذاذ برفق.
طبقات العطر (Fragrance Layering)
هذه التقنية تعني استخدام منتجات متعددة بنفس الرائحة مثل لوشن الجسم، ورذاذ الجسم، والعطر نفسه. ذلك يُعزز ثبات الرائحة ويجعلها أكثر تميزًا واستمرارية.

ثالثًا: تخزين العطر بطريقة صحيحة للحفاظ على جودته
قد لا يدرك البعض أن طريقة تخزين العطور تؤثر بشكل مباشر على جودة الرائحة وثباتها. فالعطور حساسة جدًا لعوامل مثل الحرارة والضوء والرطوبة، ويمكن أن تتغير رائحتها تمامًا إذا لم تُخزن بشكل سليم. إليك النصائح الأساسية التي يقدمها الخبراء:
احفظ العطر بعيدًا عن الضوء المباشر
الضوء، وخاصة ضوء الشمس، يتسبب في تحلل المكونات العطرية وتغيير لون السائل ورائحته. لذلك يجب حفظ زجاجة العطر في مكان مظلم مثل درج مغلق أو خزانة.
تجنب درجات الحرارة المتطرفة
العطور يجب أن تُخزن في درجة حرارة معتدلة تتراوح بين 15 و25 درجة مئوية. الحرارة العالية تسرّع من تبخر الزيوت العطرية، بينما البرودة الشديدة قد تغيّر توازن التركيبة.
احذر من حفظ العطر في الحمام
رغم أن الكثيرين يضعون عطورهم في الحمام لسهولة الوصول إليها، إلا أن الرطوبة العالية هناك تؤثر سلبًا على ثبات العطر وجودته. الأفضل حفظها في مكان جاف بعيد عن بخار الماء.
احتفظ بالزجاجة مغلقة بإحكام
كل مرة تُفتح فيها الزجاجة يدخل الهواء إليها، مما يسرّع عملية الأكسدة. لذلك تأكد من غلقها جيدًا بعد كل استخدام.
تجنب نقل العطر إلى عبوة أخرى
العبوات الأصلية مصممة خصيصًا لحماية العطر من الضوء والهواء، لذا يُفضل الاحتفاظ به في زجاجته الأصلية.
مدة صلاحية العطر
رغم أن العطور لا تنتهي صلاحيتها بسرعة، إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن معظمها يحتفظ بجودته لمدة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات إذا تم تخزينه بطريقة صحيحة.
نصائح إضافية من خبراء العطور
إلى جانب النصائح الثلاث الأساسية، هناك تفاصيل صغيرة يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في تجربتك العطرية:
لا تشتري العطر في عجلة
عند تجربة عطر جديد، جربه على جلدك وانتظر ساعة على الأقل قبل اتخاذ القرار، لأن الرائحة النهائية تختلف عن الرائحة الأولى.
غيّر عطرك من حين لآخر
استخدام نفس العطر لفترات طويلة قد يؤدي إلى “تبلّد الأنف” أو ما يُعرف بـ “فقدان الإدراك للرائحة”، لذلك ينصح الخبراء بالتبديل بين عطرين أو ثلاثة بشكل دوري.
اختيار عطر التوقيع الشخصي (Signature Scent)
حاول أن تجد عطرًا يعبر عنك تمامًا، يمكنك استخدامه كعطرك الدائم الذي يُعرف به حضورك في أي مكان. هذا النوع من العطور يكون امتدادًا لهويتك الشخصية.
جرّب العطور في الوقت المناسب من اليوم
أفضل وقت لتجربة العطر هو في الصباح، لأن حاسة الشم تكون في أنقى حالاتها بعيدًا عن التشويش الناتج عن روائح الطعام أو العطور الأخرى.
اعتمد على حاسة الشم لا على الماركة
لا تنخدع بالأسماء التجارية أو الزجاجات الفاخرة، فالعطر الجميل هو الذي يناسبك أنت، لا الذي يناسب الآخرين.

الفرق بين العطور الرجالية والنسائية
يشير الخبراء إلى أن الفروقات بين العطور الرجالية والنسائية ليست صارمة كما يُعتقد، فالكثير من العطور تُصنف على أنها “يونيسكس” أي محايدة. الفارق الرئيسي يكمن في تركيز النوتات:
العطور الرجالية تميل إلى الروائح الخشبية والجلدية والحمضية.
العطور النسائية تركز على الزهور، والفانيليا، والمسك الأبيض.
لكن في النهاية، العطر الذي يمنحك الثقة هو الأفضل بغض النظر عن تصنيفه.
العطور فن أكثر من كونها منتجًا تجميليًا. فكل رائحة تروي قصة وتعكس جانبًا من شخصية من يرتديها. النصائح الثلاث التي يقدمها خبراء العطور — اختيار العطر بناءً على الشخصية، استخدامه بالطريقة الصحيحة، وتخزينه بشكل مثالي — تشكل الأساس للحصول على تجربة عطرية راقية ومستمرة.
تذكّر دائمًا أن العطر لا يُقاس بثمنه، بل بكيفية انسجامه معك ومع أسلوبك في الحياة. فالرائحة التي تعبّر عنك هي امتداد لروحك، وبصمتك الخاصة التي تتركها في ذاكرة من حولك.
بكلمات بسيطة: اختر العطر الذي يشبهك، استخدمه بذكاء، واحتفظ به كما تحتفظ بسرّ جميل.
هكذا فقط يمكنك أن تجعل عطرك يسبق حضورك ويترك أثره حتى بعد رحيلك.





